1 | أَمِنَ المَنونِ وَريبِها تَتَوَجَّعُ *** وَالدَهرُ لَيسَ بِمُعتِبٍ مِن يَجزَعُ |
2 | قالَت أُمَيمَةُ ما لِجِسمِكَ شاحِبًا *** مُنذُ ابتَذَلتَ وَمِثلُ مالِكَ يَنفَعُ |
3 | أَم ما لِجَنبِكَ لا يُلائِمُ مَضجَعًا *** إِلّا أَقَضَّ عَلَيكَ ذاكَ المَضجَعُ |
4 | فَأَجَبتُها أَن ما لِجِسمِيَ أَنَّهُ *** أَودى بَنِيَّ مِنَ البِلادِ ووَدَّعوا |
5 | أَودى بَنِيَّ وَأَعقَبوني حَسْرَةً *** بَعدَ الرُقادِ وَعَبرَةً لا تُقلِعُ |
6 | وَلَقَد أَرى أَنَّ البُكاءَ سَفاهَةٌ *** وَلَسَوفَ يولَعُ بِالبُكا مِن يَفجَعُ |
7 | سَبَقوا هَوَىَّ وَأَعنَقوا لِهَواهُمُ *** فَتُخُرِّموا وَلِكُلِّ جَنبٍ مَصرَعُ |
8 | فَغَبَرتُ بَعدَهُمُ بِعَيشٍ ناصِبٍ *** وَإَخالُ أَنّي لاحِقٌ مُستَتبَعُ |
9 | وَلَقَد حَرِصتُ بِأَن أُدافِعَ عَنهُمُ *** فَإِذا المَنِيِّةُ أَقبَلَت لا تُدفَعُ |
10 | وَإِذا المَنِيَّةُ أَنشَبَت أَظفارَها *** أَلفَيتَ كُلَّ تَميمَةٍ لا تَنفَعُ |
11 | فَالعَينُ بَعدَهُمُ كَأَنَّ حِداقَها *** سُمِلَت بشَوكٍ فَهِيَ عورٌ تَدمَعُ |
12 | حَتّى كَأَنّي لِلحَوادِثِ مَروَةٌ *** بِصَفا المُشَرَّقِ كُلَّ يَومٍ تُقرَعُ |
13 | وَتَجَلُّدي لِلشامِتينَ أُريهِمُ *** أَنّي لَرَيبِ الدَهرِ لا أَتَضَعضَعُ |
14 | وَالنَفسُ راغِبِةٌ إِذا رَغَّبتَها *** فَإِذا تُرَدُّ إِلى قَليلٍ تَقنَعُ |
15 | وَالدَهرُ لا يَبقى عَلى حَدَثانِهِ *** جَونُ السَراةِ لَهُ جَدائِدُ أَربَعُ |
16 | صَخِبُ الشَوارِبِ لا يَزالُ كَأَنَّهُ *** عَبدٌ لِآلِ أَبي رَبيعَةَ مُسبَعُ |
17 | أَكَلَ الجَميمَ وَطاوَعَتهُ سَمحَجٌ *** مِثلُ القَناةِ وَأَزعَلَتهُ الأَمرُعُُ |
18 | بِقَرارِ قيعانٍ سَقاها وابِلٌ *** واهٍ فَأَثجَمَ بُرهَةً لا يُقلِعُ |
19 | فَلَبِثنَ حينًا يَعتَلِجنَ بِرَوضَةٍ *** فَيَجِدُّ حينًا في العِلاجِ وَيَشمَعُ |
20 | حَتّى إِذا جَزَرَت مِياهُ رُزونِهِ *** وَبِأَيِّ حينِ مِلاوَةٍ تَتَقَطَّعُ |
21 | ذَكَرَ الوُرودَ بِها وَشاقى أَمرَهُ *** شُؤمٌ وَأَقبَلَ حَينُهُ يَتَتَبَّعُ |
22 | فَافتَنَّهُنَّ مِن السَواءِ وَماؤُهُ *** بِثرٌ وَعانَدَهُ طَريقٌ مَهيَعُ |
23 | فَكَأَنَّها بِالجِزعِ بَينَ نُبَايعٍ *** وَأولاتِ ذي العَرجاءِ نَهبٌ مُجمَعُ |
24 | وَكَأَنَّهُنَّ رِبابَةٌ وَكَأَنَّهُ *** يَسَرٌ يُفيضُ عَلى القِداحِ وَيَصدَعُ |
25 | وَكَأَنَّما هُوَ مِدوَسٌ مُتَقَلِّبٌ *** في الكَفِّ إِلّا أَنَّهُ هُوَ أَضلَعُ |
26 | فَوَرَدنَ وَالعَيّوقُ مَقعَدَ رابِىءِ الضـ *** ـضُرَباءِ فَوقَ النَظمِ لا يَتَتَلَّعُ |
27 | فَشَرَعنَ في حَجَراتِ عَذبٍ بارِدٍ *** حَصِبِ البِطاحِ تَغيبُ فيهِ الأَكرُعُ |
28 | فَشَرِبنَ ثُمَّ سَمِعنَ حِسًّا دونَهُ *** شَرَفُ الحِجابِ وَرَيبَ قَرعٍ يُقرَعُ |
29 | وَنَميمَةً مِن قانِصٍ مُتَلَبِّبٍ *** في كَفِّهِ جَشءٌ أَجَشُّ وَأَقطُعُ |
30 | فَنَكِرنَهُ فَنَفَرنَ وَامتَرَسَت بِهِ *** عَوْجَاءُ هادِيَةٌ وَهادٍ جُرشُعُ |
31 | فَرَمى فَأَنفَذَ مِن نَجودٍ عائِطٍ *** سَهمًا فَخَرَّ وَريشُهُ مُتَصَمِّعُ |
32 | فَبَدا لَهُ أَقرابُ هذا رائِغًا *** عَجِلًا فَعَيَّثَ في الكِنانَةِ يُرجِعُ |
33 | فَرَمى فَأَلحَقَ صاعِدِيًّا مِطحَرًا *** بِالكَشحِ فَاشتَمَّلَت عَلَيهِ الأَضلُعُ |
34 | فَأَبَدَّهُنَّ حُتوفَهُنَّ فَهارِبٌ *** بِذَمائِهِ أَو بارِكٌ مُتَجَعجِعُ |
35 | يَعثُرنَ في عَلَقِ النَّجِيعِ كَأَنَّما *** كُسِيَت بُرودَ بَني يَزيدَ الأَذرُعُ |
36 | وَالدَهرُ لا يَبقى عَلى حَدَثانِهِ *** شَبَبٌ أَفَزَّتهُ الكِلابُ مُرَوَّعُ |
37 | شَعَفَ الكِلابُ الضارِياتُ فُؤادَهُ *** فَإِذا يَرى الصُبحَ المُصَدَّقَ يَفزَعُ |
38 | وَيَعوذُ بِالأَرطى إِذا ما شَفَّهُ *** قَطرٌ وَراحَتهُ بَلِيلٌ زَعزَعُ |
39 | يَرمي بِعَينَيهِ الغُيوبَ وَطَرفُهُ *** مُغضٍ يُصَدِّقُ طَرفُهُ ما يَسمَعُ |
40 | فَغَدا يُشَرِّقُ مَتنَهُ فَبَدا لَهُ *** أَولى سَوابِقَها قَريبًا توزَعُ |
41 | فانْصَاعَ مِن فَزَعٍ وَسَدَّ فُروجَهُ *** غُبرٌ ضَوارٍ وافِيانِ وَأَجدَعُ |
42 | فَنَحا لَها بِمُذَلَّقَينِ كَأَنَّما *** بِهِما مِنَ النَضحِ المُجَدَّحِ أَيدَعُ |
43 | يَنهَسنَهُ وَيَذُبُّهُنَّ وَيَحتَمي *** عَبلُ الشَوى بِالطُرَّتَينِ مُوَلَّعُ |
44 | حَتّى إِذا ارتَدَّت وَأَقصَدَ عُصبَةً *** مِنها وَقامَ شَريدُها يَتَضَرَّعُ |
45 | فَكَأَنَّ سَفّودَينِ لَمّا يُقتَرا *** عَجِلا لَهُ بِشَواءِ شَربٍ يُنزَعُ |
46 | فَبَدا لَهُ رَبُّ الكِلابِ بِكَفِّهِ *** بيضٌ رِهافٌ ريشُهُنَّ مُقَزَّعُ |
47 | ففَرَمى لِيُنقِذَ فَرَّها فَهَوى لَهُ *** سَهمٌ فَأَنفَذَ طُرَّتَيهِ المِنزَعُ |
48 | فَكَبا كَما يَكبو فِنيقٌ تارِزٌ *** بِالخُبتِ إِلّا أَنَّهُ هُوَ أَبرَعُ |
49 | وَالدَهرُ لا يَبقى عَلى حَدَثانِهِ *** مُستَشعِرٌ حَلَقَ الحَديدِ مُقَنَّعُ |
50 | حَمِيَت عَلَيهِ الدِرعُ حَتّى وَجهُهُ *** مِن حَرِّها يَومَ الكَريهَةِ أَسفَعُ |
51 | تَعدو بِهِ خَوصاءُ يَفصِمُ جَريُها *** حَلَقَ الرِحالَةِ فَهِيَ رِخوٌ تَمزَعُ |
52 | قَصَرَ الصَبوحَ لَها فَشَرَّجَ لَحمَها *** بِالنَيِّ فَهِيَ تَثوخُ فيها الإِصبَعُ |
53 | تَأبى بِدُرَّتِها إِذا ما استُكرِهَت *** إِلّا الحَميمَ فَإِنَّهُ يَتَبَضَّعُ |
54 | مُتَفَلِّقٌ أَنساؤُها عَن قانِئٍ *** كَالقُرطِ صاوٍ غُبرُهُ لا يُرضَعُ |
55 | بَينَنا تَعَانُقِهِ الكُماةَ وَرَوغِهِ *** يَومًا أُتيحَ لَهُ جَريءٌ سَلفَعُ |
56 | يَعدو بِهِ نَهِشُ المُشاشِ كَأَنّهُ *** صَدَعٌ سَليمٌ رَجعُهُ لا يَظلَعُ |
57 | فَتَنَازَلا وَتَواقَفَت خَيلاهُما *** وَكِلاهُما بَطَلُ اللِقاءِ مُخَدَّعُ |
58 | يَتَنَاهَبَانِ المَجدَ كُلٌّ واثِقٌ *** بِبَلائِهِ وَاليَومُ يَومٌ أَشنَعُ |
59 | وَكِلاهُما مُتَوَشِّحٌ ذا رَونَقٍ *** عَضبًا إِذا مَسَّ الضَريبَةَ يَقطَعُ |
60 | وَكِلاهُما في كَفِّهِ يَزَنِيَّةٌ *** فيها سِنانٌ كَالمَنارَةِ أَصلَعُ |
61 | وَعَلَيهِما مَاذِيَّتَانِ قَضاهُما *** داودٌ أَو صَنَعُ السَوابِغِ تُبَّعُ |
62 | فَتَخالَسا نَفسَيهِما بِنَوافِذٍ *** كَنَوافِذِ العُبُطِ الَّتي لا تُرقَعُ |
63 | وَكِلاهُما قَد عاشَ عيشَةَ ماجِدٍ *** وَجَنى العَلاءَ لَو انَّ شَيئًا يَنفَعُ |