حمدي مؤلف محتويات ومواضيع هذا المنتدى
| موضوع: قبل الحرب السبت 1 يناير 2011 - 23:48 | |
| قبل الحرب سالم كثر كلامه
عن النصر, وهو علي الضفة الغربية من القناة, وتتطلع عيناه كل صباح, وكل ساعة إلي الضفة الشرقية, حفظ زملاؤه من الجنود عنه جملته التي دائما يكررها ويقول: نفسي أري النصر بعيني حتي اعتادوا
أن يستمعوا اليه وإلي خيالاته الجميلة, التي كانت تتحقق دائما بإحساسه الصادق, وحاسته الغريبة, التي صدقت مع الكثيرين, كان يخبرهم عن بعض الأحداث التي سوف تجري في حياتهم ويتوقعها لهم, وبالفعل يحدث مايتوقعه لهم, لذلك عشقوا حديثه عن النصر, يقولون له: احكي لنا عن النصر. فيحكي عن النصر القادم. واليوم العاشر من رمضان السادس من أكتوبر وقبل الساعة الثانية وهم لا يعلمون شيئا عن المعركة جلسوا يحكون كعادتهم عن النصر القادم, وقالوا لسالم بأن يحكيهم عن النصر, فحكاهم وشد انتباههم بأنهم اليوم بل الآن سوف ينطلقون الي القناة ويعبرونها ويفتحون في خط بارليف فتحات, وستمر الأسلحة الثقيلة من فوق كوبري يتم فرده في ساعات, وأنه سوف يري هذا النصر بعينيه. ضحك الجنود ضحكا عاليا وهم يسخرون من سالم الحالم هذا, هذه المرة ازداد ضحكهم وارتفعت قهقهاتهم مدوية في أرجاء المكان, بعد أن كانوا يصدقونه في كل المرات السابقة ووصفوه بأنه أصيب بجنون النصر والحرب التي لايأتي أي منهما أبدا. وبينما هم كذلك انطلقت الضربة الجوية الأولي, في نفس اللحظة صرخ سالم: الله أكبر. وتحرك الجنود ناحية القناة في اللحظة نفسها التي انطلقت فيها النسور المصرية وهم يرددون خلف سالم: الله أكبر. لم يصدق سالم أن كلماته الحالمة التي تحدث بها تصبح حقيقة وبهذه الأعجوبة وبهذه السرعة. كم اتهمه الجنود بالجنون والهذيان, وكم سخروا منه ومن حلمه الجميل, ومن كلماته وخيالاته التي تري النصر بعيون الخيال. مازال الهتاف يعلو في أرجاء المكان: الله أكبر. وضع سالم قدمه في أول قارب بالقناة وهو يقول: الحمد لله رأيت النصر بعيني. وتحركت القوارب جميعها ناحية خط بارليف, وهاهو سالم يضع لأول مرة في حياته قدمه علي أرضنا وينحني مقبلا ترابها, وهو يقول بصوت مسموع: يا رب أريد أ ن أري نصرا أكبر. وكلما تقدم سالم يردد هذه الجملة, حتي أمرهم قائدهم بأن ينزلوا الآن في مخبأ تم استرداده من أيدي الأعداء, لم يرض سالم بالاختباء ولازملاؤه وأصروا علي مواصلة النجاح. أصر قائدهم إلي اللجوء إلي المخبأ داخل هذا الخندق المسترد للاختفاء فيه لأنهم توغلوا داخل أرضنا المحتلة دون أن يكون هناك ظهير لهم أو أسلحة ثقيلة وراءهم وكان عليهم أن يستمعوا لقائدهم وينفذوا أوامره حتي تصلهم المعدات والمعلومات. وبالفعل نزلوا الخندق الذي وجدوه خاليا تماما, مازال سالم يردد: نصرا أكبر يا الله.أمرهم قائدهم بأن يستريحوا داخل الخندق بينما صوت مدافع العدو قريبة منهم تهز المكان, ويسمعون بين الحين والآخر ضربة من الضربات لايعرفون لمن هي!حذرهم قائدهم من الخروج من الخندق حتي تهدأ الأمور, لكن سالم أراد أن يري بقية الانتصار, لحظات لايمكن أن تختفي فيها العيون داخل الخنادق, كانت تلك هي وجهة نظر سالم, الذي خرج من الخندق عندما ساد الهدوء برهة قليلة بينما لا يسمع تحذيرات الجنود الذين هم معه أو حتي تحذيرات القائد, وما أن ظهر سالم خارج الخندق حتي سمع زملاؤه أصوات مدافع العدو المنهالة وكأنها تنهال علي جسد سالم. شخصت أبصارهم جميعا وهم بالداخل عندما رأوا رأس سالم منفصلة عن جسده تتدحرج ناحية الخندق. قام أحد الجنود وأمسك بها مقبلا إياها ودمعة الحزن في عينيه ثابتة لم تسل بعد علي خديه, وينظر إلي رأس سالم باسمة الثغر بينما همّ آخر بحفر حفرة في داخل الخندق لدفن رأس سالم بداخلها.
تمت | |
|